کد مطلب:67607 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:349

الغدیر فی ظل التهدیدات الإلهیة











قریش وخلافة بنی هاشم

قد عرفنا فی الفصل السابق: أن قریشاً، ومن هم علی رأیها هم الذین كانوا یخططون لصرف الأمر عن بنی هاشم، وبالذات عن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه الصلاة والسلام، ویتصدون لملاحقته ومتابعته فی جمیع تفاصیله وجزئیاته.

وقد رأوا: أن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) كان فی مختلف المواقع والمواضع لا یزال یهتف باسمه، ویؤكد علی إمامته، ولم یكن فی مصلحتهم أن یعلن بذلك أمام تلك الجموع الغفیرة، التی جاءت للحج من جمیع الأقطار والأمصار، ولأجل ذلك فقد بادروا إلی التشویش والإخلال بالنظام. قریش بالذات هی التی قصدت النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) فی منزلة بعد هذا الموقف مباشرة لتستوضح منه ماذا یكون بعد هؤلاء الأئمة. فكان الجواب: ثم یكون الهرج. والصحیح: (الفرج)، كما رواه الخزاز.[1] .

وقد رأی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم): أن مجرد التلمیح لهذا الأمر، قد دفعهم إلی هذا المستوی من الإسفاف والإسراف فی التحدی لإرادة الله سبحانه. ولشخص النبی (صلی الله علیه وآله وسلم)، دون أن یمنعهم من ذلك شرف المكان، ولاخصوصیة الزمان، ولا قداسة المتكلم، وشأنه وكرامته.

فكیف لو أنه (صلی الله علیه وآله وسلم) صرح بذلك وجهر باسمه علیه الصلاة والسلام، فقد یصدر منهم ما هو أمر وأدهین وأقبح واشد خطراً علی الإسلام وعلی مستقبله بصورة عامة.

التدخل الإلهی ثم جاء التهدید الإلهی لهم، فحسم الموقف، وأبرم الأمر، وظهر لهم أنهم عاجزون عن الوقوف فی وجه إرادة الله، القاضیة بلزوم إقامة الحجة علی الناس كافة، بالأسلوب الذی یریده الله ویرتضیه، وأدركوا: أن استمرارهم فی المواجهة السافرة قد یؤدی بهم إلی حرب حقیقة، فیما بینهم وبین الله ورسوله، وبصورة علنیة ومكشوفة.

فلم یكن لهم بد من الرضوخ، والانصیاع، لا سیما بعد أن افهمهم الله سبحانه:أنه یعتبر عدم إبلاغ هذا الأمر بمثابة عدم إبلاغ أصل الدین، وأساس الرسالة، (وان لم تفعل فما بلغت رسالته) الأمر الذی یعنی: العودة إلی نقطة الصفر، والشروع منها، وحتی لو انتهی ذلك إلی خوض حروب فی مستوی بدر، وأحد والخندق، وسواها من الحروب التی خاضها المسلمون ضد المشركین من أجل تثبیت أساس الدین وإبلاغه.

ومن الواضح لهم: أن ذلك سوف ینتهی بهزیمتهم وفضیحتهم، وضیاع كل الفرص، وتلاشی جمیع الآمال فی حصولهم علی امتیاز یذكر، أو بدونه، حیث تكون الكارثة بانتظارهم، حیث البلاء المبرم، والهلاك والفناء المحتّم.

فآثروا الرضوخ إلی الأمر الواقع، والإنحناء أمام العاصفة، فی سیاسة غادرة وماكرة. ولزمتهم الحجة، بالبیعة التی أخذت منهم له (علیه السلام) فی یوم الغدیر.

وقامت الحجة بذلك علی الأمة بأسرها أیضاً.

ولم یكن المطلوب أكثر من ذلك. ثم كان النكث منهم لهذه البیعة، وذلك بعد وفاة النبی (صلی الله علیه وآله وسلم)، وإحساسهم بالأمن، وبالقوة. (فمن نكث فإنما ینكث علی نفسه).[2] .

(ولیحملن أثقالهم، واثقالاَ مع أثقالهم ولیسألنّ یوم القیامة عما كانوا یفعلون).[3] .

تذكیر ضروری: الورع والتقوی قد یدور بخلد بعض الناس السؤال التالی: إنه كیف یمكن أن نصدق أن یقدم عشرات الألوف من الصحابة علی مخالفة ما رسمه النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) لهم فی أمر الخلافة والإمامة. وهم أصحابه الذین رباهم علی الورع والتقوی، وقد مدحهم الله عز وجل فی كتابه العزیز، وذكر فضلهم، وهم الذین ضحوا فی سبیل الله هذا الدین، وجاهدوا فیه بأمواله وأنفسهم!!

ونقول فی الجواب

إن ما یذكرونه حول الصحابة أمر مبالغ فیه. وذلك لأن الصحابة الذین حجوا مع النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) قبیل وفاته، وإن كانوا یعدون بعشرات الألوف.

ولكن لم یكن هؤلاء جمیعاً من سكان المدینة، ولا عاشوا مع النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) فترات طویلة، تسمح له بتربیتهم وتزكیتهم وتعلیمهم وتعریفهم علی أحكام الإسلام، ومفاهیمه.

بل كان أكثرهم من بلاد أخری بعیدة عن المدینة أو قریبة منها وقد فازوا برؤیة النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) هذه المرة، وقد یكون بعضهم قد رآه قبلها أو بعدها بصورة عابرة أیضاً وقد لا یكون رآه.

وقد تفرق هؤلاء بعد واقعة الغدیر مباشرة، وذهب كل منهم إلی أهله وبلاده. ولعل معظمهم- بل ذلك هو المؤكد- قد أسلم بعد فتح مكة، وفی عام الوفود- سنة تسع من الهجرة: فلم یعرف من الإسلام إلا إسمه، ومن الدین إلا رسمه مما هو فی حدود بعض الطقوس الظاهریة والقلیلة. ولم یبق مع رسول الله بعد حادثة الغدیر، إلا أقل القلیل من الناس ممن كان یسكن المدینة، وقد یكونون ألفین أو أكثر، وربما دون ذلك أیضاً.

وقد كان فیهم العدد من الخدم والعبید، والأتباع، بالإضافة إلی المنافقین والذین مردوا علی النفاق ممن أخبر الله عن وجودهم، وأنهم كانوا من أهل المدینة، ومن البلاد المجاورة لها.

ولم یكن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) یعلمهم بصورة تفصیلیة، وكان الله سبحانه هو الذی یعلمهم.

هذا إلی جانب فئات من الناس، من أهل المدینة نفسها، كانوا لا یملكون درجة كافیة من الوعی للدین، وأحكامه ومفاهیمه، وسیاساته، بل كانوا مشغولین بأنفسهم وملذاتهم وتجاراتهم، فإذا رأوا تجارة أو لهو انفضوا إلیها وتركوا النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) قائماً.

وقد تعرض كثیر من الناس منهم لتهدیدات النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) بحرف بیوتهم، لأنهم كانوا یقاطعون صلاة الجماعة التی كان یقیمها رسول الله (صلی الله علیه وأله وسلم) بالذات، كما أنه قد كان ثمة جماعة أتخذت لنفسها مسجداً تجتمع فیه، وتركت الحضور فی جماعة المسلمین، وهو ما عرف بمسجد الضرار، وقد هدمه (صلی الله علیه وآله وسلم)، كما هو معروف.

وتكون النتیجة هی أنه لا یبقی فی ساحة الصراع والعمل السیاسی إلا أهل الطموحات، وأصحاب النفوذ من قریش، صاحبة الطول والحول فی المنطقة العربیة بأسرها. بالإضافة إلی افراد معدودین من غیر قریش أیضاً.

فكان هؤلاء هم الذین یدبرون الأمور ویوجهونها بالإتحاد الذی یصب فی مصلحتهم، ویؤكد هیمنتهم، ویحركون الجماهیر باسالیب متنوعة، أتقنوا الاستفادة منها بما لدیهم من خبرات سیاسیة طویلة. فكانوا یستفیدون من نقاط الضعف الكثیرة التی كانت لدی السذج والبسطاء، أو لدی غیرهم مما لم یستحكم الإیمان فی قلوبهم بعد، ممن كانت تسیرهم الروح القبلیة، وتهیمن علی عقلیاتهم وروحیاتهم المفاهیم والرواسب الجاهلیة.

كما أن اولئك الذین وترهم الإسلام- أو قضی علی الإمتیازات التی لا یستحقونها، وقد استأثروا بها لأنفسهم ظلم وعلوا- كانوا یسارعون إلی الإستجابة إلی أی عمل یتوافق مع احقادهم، وینسجم مع مشاعرهم وأحاسیسهم الثائرة ضد كل ما هو حق وخیر، ودین وإسلام. وهذا هو ما عبر عنه رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) حینما ذكر: أن تأخیره إبلاغ أمر الإمامة بسبب أنه كان یخشی قومه، لأنهم قریبوا عهد بجاهلیة، بغیضة ومقیتة، لا یزال كثیرون منهم یعیشون بعض مفاهیمها، وتهیمن علیهم بعض اعرافها.

وهكذا یتضح: أن الأخبار الواعین من الصحابة، مهما كثر عددهم فإن الآخرین هم الذین كانو یقودون التیار، بما یتهأ لهم من عوامل وظروف فكان أن تمكنوا- فی المدینة التی لم یكن فیها سوی بضعة الوف من الناس، قد عرفنا بعض حالاتهم- من صرف الأمر- أمر الخلافة بعد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)- عن أصحابه الشرعیین، إلی غیرهم حسبما هو مذكور ومسطور فی كتب الحدیث والتاریخ..

خلاصة وبیان وبعد ما تقدم، فإنه یصبح واضحاً أن الرسول الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم) كان یواجه عاصفة من التحدی، والإصرار علی إفشال الخطط الإلهیة، بأی ثمن كان، وبأی وسیلة كانت!

وأن التدخل الإلهی والتهدید القرآنی هو للعناصر التی اثارت تلك العاصفة، وإفهامهم: أن إصرارهم علی التحدی، یوازی فی خطورته وفی زیف نتائجه، وقوفهم فی وجه الدعوة الإلهیة من الأساس- نعم إن هذا التدخل- هو الذی حسم الموقف، ولجم التیار، لا سیما بعد أن صرح القرآن بكفی من یتصدی، ویتحدی، وتعهد بالحمایة والعصمة له (صلی الله علیه وآله وسلم)، فقال: (وإن لم بفعل فما بلغت رسالته والله یعصمك من الناس إنّ الله لا یهدی القوم الكافرین).[4] .

وإذا كان الله سبحانه هو الذی سیتصدی لكل معاند وجاحد، فمن الواضح:

أنه لیس بمقدور أحد أن یقف فی وجه الإرادة الإلهیة، فما علیهم إلا أن یبلغ أن ینسجموا من ساحة التحدی، من أجل أن یقیم الله حجته، ویبلغ الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) دینه ورسالته.

ولیبوؤاهم بإثم المكر والبغی، ولیحملوا وزر النكث والخیانة... والله لا یهدی كید الخائنین.







    1. راجع كفایة الأثر: ص 52، ویقارن ذلك مع ما فی إحقاق الحق (الملحقات) وغیبة النعمانی وغیرهما..

      فإنهم صرحوا بان قریشاً هی التی أتته.

    2. سورة الفتح الآیة 10.
    3. سورة العنكبوت الآیة 13.
    4. سورة المائدة الآیة 67.